纪伯伦的《秋天》(阿拉伯语版)
(2009-02-02 12:06:15)
标签:
新天方阿拉伯语文化 |
分类: 新天方阿拉伯语 |
جبران خليل جبران
ها قد ضعفت حرارة الشمس، وأصبحت نظراتها المُحيية كنظرات سقيم يرى الحياة من وراء نقاب الموت.
ها قد تمردت الأرياح وانتزعت عزمَ البحار لتبيدَ به ما أخرجته الأرضُ من صدرها، مثلما تُفني الحروب والثورات ما تبثّه السلامةُ من أعماقها.
قد قضي الصيفُ فجلستِ الحقولُ للنحيب والبكاء، وتململتِ الأشجارُ متحسرةً، ناثرة أوراقها الصفراء لتكفّنه بها وتلحده تحت ثنايا الثلوج.
قد مات الصيف، ومات فتى الفصول، مات عريس الأودية، فوقفت أمه الطبيعةُ لتُندبه وتَرثيه! ...
مات واهب الرزق، مات شاعر الحياة، مات حياة الشعر، فتركه الإنسان جثةً باردة على أحضان البرية، وعاد حاملا البزورَ والأثمارَ الى أوكاره الضيّقة.!
البلابل والشحارير والعصافير قد رحلت الى الجنوب، ولم يبق بين الطلول الجرداء سوى غربانٍ سوداء، تتصاعد ناعبةً من بين القضبان العارية، وتختفي في الغاب، ثم تظهر وتهبط كأنها رأتْ جيفةً، ثم تتطاير وتتفرق الى كل ناحية كأنها تخاف بعضُها بعضا.
الأغصان ترتجف متأففة، وأوجُهُ البحيرات تتجعد جَزَعًا ، والصخور تكاد تهبط من أمام السيول والأمطار، وكل ما في الأرض يرتعش من غضب العواصف ارتعادَ العبيدِ المذنبين أمام الملوك القساة.
السواقي المترنمة قد غارت ، ثم ظهرت ونمت أنهرا، وجرفت بتيارها الجذوع والحصى الى أعماق الوادي. أوراق الأشجار اليابسة تتراكض يمينا وشمالا في المعابر والممرات، والأعشاب الذابلة تتسارع ماشية كالحشرات الجائعة في المروج والمنخفضات، والغيوم الرمادية قد تراكمت فوق خطوط الشفق وملأت الفضاء، وأصبحت أحواض المياه تُحدق، وباطلاً تحدق، لترى ازرقاق السماء.
قد مات الصيف الجميل ليحيا الخريف الكئيب، وبين ذاك الموت وهذه الحياة قد وقف الزمن مشيرا بيمينه نحو غصن عرته الأرياح، وقصفته العاصفة قائلا:" هذا رمز أيّامك، أيها الإنسان، فتأملْه جيدا: يقظةٌ ففرحٌ فحزنٌ فنزاعٌ فنومٌ عميق!"
أهذا رمز حياتنا؟! غصن نمّق نيسان بالأزهار، وكساه حزيران بالأوراق، وأثقله آب بالأثمار، ثم جاء تشرين فعراه بأرياحه. ثم مرت العاصفة فقصفته بعزمها، وألقته على الحضيض ، لكي يبلى على مهلٍ تحت طبقات الثلوج ! أهذا هو رمز حياتنا أيها الزمن؟!
أيبتلع الفضاء طهر الطفولة، ويمتص الأثير غبطة الشبيبة، ويغمرالبحر قوة الكهولة، ويبيد الظلام حكمة الشيخوخة؟...
قد مات الصيف فرحلت الطيور الى الجنوب، وعرت الأرياح أشجار الصفصاف والحور والتوت والتفاح، ووشح الضباب الحقول والمروج والأودية، ولوت العواصف أعناق الأعشاب والزهور، وغرقت الأمطار فامات الأنصاب والرياحين؛ ولكن هناك، هناك في سفح الجبل، شجرة السرو، ذات الاخضرار الأبدي، تهاجمها الريح بعنف فتلويها، ولكنها لا تقصفها؛ ويحاول المطر خلع ثوبها فيبلله ولا يثلم؛ ويغمرها الضباب ليخفيَها عن النواظر، فيظل رأسُها العالي مرفوعا نحو السماء؛ وتجتمع حول جذعها أوراقُ الأشجار لتكفّنها، فتبلى هناك، وتتحول الى عناصر تغذيها.
هذه هي الشجرة التي تخرج من بطن الأرض ولا تعود اليه؛ هذه هي الكلمة التي يلفظها الصيف فلا يستطيع الشتاء أن يجعلها سكينة؛ هذه هي رمز حياتي أيها الخريف، أيها الزمن...